سورة مريم - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (مريم)


        


{وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ} أي نزوي عنه ما زعم أنه يناله في الآخرة والمعنى مسمى ما يقول وهو المال والولد {وَيَأْتِينَا فَرْداً} حال أي بلا مال ولا ولد كقوله: {ولقد جئتمونا فرادى} [الأنعام: 94] فما يجدي عليه تمينه وتألبه.
{واتخذوا مِن دُونِ الله ءالِهَةً} أي اتخذ هؤلاء المشركون أصناماً يعبدونها {لّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً} أي ليعتزوا بآلهتهمِ ويكونوا لهم شفعاء وأنصاراً ينقذونهم من العذاب {كَلاَّ} ردع لهم عما ظنوا {سَيَكْفُرُونَ بعبادتهم} الضمير للآلهة أي سيجحدون عبادتهم وينكرونها ويقولون والله ما عبدتمونا وأنتم كاذبون، أو للمشركين أي ينكرون أن يكونوا قد عبدوها كقوله: {والله ربنا ما كنا مشركين} [الأنعام: 23] {وَيَكُونُونَ} أي المعبودون {عَلَيْهِمْ} على المشركين {ضِدّاً} خصماً لأن الله تعالى ينطقهم فيقولون: يا رب عذب هؤلاء الذين عبدونا من دونك. والضد يقع على الواحد والجمع وهو في مقابلة {لهم عزاً} والمراد ضد العز وهو الذل والهوان أي يكونون عليهم ضداً لما قصدوه أي يكونون عليهم ذلاً لا لهم عزاً، وإن رجع الضمير في {سيكفرون} {ويكونون} إلى المشركين فالمعنى ويكونون عليهم أي أعداءهم ضداً أي كفرة بهم بعد أن كانوا يعبدونها ثم عجب نبيه عليه السلام بقوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشياطين عَلَى الكافرين} أي خليناهم وإياهم من أرسلت البعير أطلقته أو سلطانهم عليهم بالإغواء {تَؤُزُّهُمْ أَزّاً} تغريهم على المعاصي إغراء والأز والهز إخوان ومعناهما التهييج وشدة الإزعاج.


{فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ} بالعذاب {إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً} أي أعمالهم للجزاء وأنفاسهم للفناء، وقرأها ابن السماك عند المأمون فقال: إذا كانت الأنفاس بالعدد ولم يكن لها مدد فما أسرع ما تنفد.
{يَوْمَ نَحْشُرُ المتقين إِلَى الرحمن وَفْداً} ركبانا على نوق رحالها ذهب وعلى نجائب سروجها ياقوت {وَنَسُوقُ المجرمين} الكافرين سوق الأنعام لأنهم كانوا أضل من الأنعام {إلى جَهَنَّمَ وِرْداً} عطاشاً لأن من يرد الماء لا يرده إلا لعطش وحقيقة الورد المسير إلى الماء فيسمى به الواردون، فالوفد جمع وافد كركب وراكب والورد جمع وارد. ونصب {يوم} بمضمر أو يوم نحشر ونسوق نفعل بالفريقين ما لا يوصف أي اذكر يوم نحشر. ذكر المتقون بأنهم يجمعون إلى ربهم الذي غمرهم برحمته كما يفد الوفود على الملوك تبجيلاً لهم، والكافرون بأنهم يساقون إلى النار كأنهم نعم عطاش تساق إلى الماء استخفافاً بهم {لاَّ يَمْلِكُونَ الشفاعة} حال. والواو إن جعل ضميراً فهو للعباد ودل عليه ذكر المتقين والمجرمين لأنهم على هذه القسمة، ويجوز أن يكون علامة للجمع كالتي في (أكلوني البراغيث) والفاعل من {اتخذ} لأنه في معنى الجمع ومحل {من اتخذ} رفع على البدل من واو {يملكون} أو على الفاعلية، أو نصب على تقدير حذف المضاف أي إلا شفاعة من اتخذ والمراد لا يمكلون أن يشفع لهم {إِلاَّ مَنِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْداً} بأن آمن. في الحديث: «من قال: لا إله إلا الله كان له عند الله عهد» وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه ذات يوم: «أيعجز أحدكم أن يتخذ كل صباح ومساء عند الله عهداً» قالوا: وكيف ذلك؟ قال: «يقول كل صباح ومساء اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة إني أعهد إليك بأني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمداً عبدك ورسولك وإنك إن تكلني إلى نفسي تقربني من الشر وتباعدني من الخير، وإني لا أثق إلا برحمتك فاجعل لي عهداً توفينيه يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد، فإذا قال ذلك طبع عليه بطابع ووضع تحت العرش فإذا كان يوم القيامة نادى منادٍ أين الذين كان لهم عند الله عهد فيدخلون الجنة» أو يكون من عهد الأمير إلى فلان بكذا إذا أمره به أي لا يشفع إلا المأمور بالشفاعة المأذون له فيها.


{وَقَالُواْ اتخذ الرحمن وَلَداً} أي النصارى واليهود ومن زعم أن الملائكة بنات الله {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً} خاطبهم بهذا الكلام بعد الغيبة وهو التفات، أو أمر نبيه عليه السلام بأن يقول لهم ذلك؛ والإد العجب أو العظيم المنكر والإدة الشدة وأدّني الأمر أثقلني وعظم عليّ أدًّا {تَكَادُ السماوات} تقرب وبالياء نافع وعليّ {يَتَفَطَّرْنَ} وبالنون بصري وشامي وحمزة وخلف وأبو بكر. الانفطار من فطره إذا شقه والتفطر من فطره إذا شققه {مِنْهُ} من عظم هذا القول: {وَتَنشَقُّ الأرض} تنخسف وتنفصل أجزاؤها {وَتَخِرُّ الجبال} تسقط {هَدّاً} كسراً أو قطعاً أو هدماً، والهدة صوت الصاعقة من السماء وهو مصدر أي تهد هدّا من سماع قولهم أو مفعول له أو حال أي مهدودة {أَن دَعَوْا} لأن سموا ومحله جر بدل من الهاء في {منه} أو نصب مفعول له، علل الخرور بالهد والهد بدعاء الولد للرحمن، أو رفع فاعل {هداًّ} أي هدها دعاؤهم {للرحمن وَلَداً وَمَا يَنبَغِى للرحمن أَن يَتَّخِذَ وَلَداً} (انبغى) مطاوع بغى إذ طلب أي ما يتأتي له اتخاذ الولد وما يتطلب لو طلب مثلاً لأنه محال غير داخل تحت الصحة، وهذا لأن اتخاذ الولد لحاجة ومجانسة وهو منزه عنهما. وفي اختصاص الرحمن وتكريره مرات بيان أنه الرحمن وحده لا يستحق هذا الاسم غيره، لأن أصول النعم وفروعها منه فلينكشف عن بصرك غطاؤه، فأنت وجميع ما عندك غطاؤه فمن أضاف إليه ولداً فقد جعله كبعض خلقه وأخرجه بذلك عن استحقاق اسم الرحمن.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10